فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

ثم إنه تعالى ذكر السبب الذي لأجله كذبوا القرآن فقال: {بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِيهِمُ تَأْوِيلِهِ} واعلم أن هذا الكلام يحتمل وجوهًا:
الوجه الأول: أنهم كلما سمعوا شيئًا من القصص قالوا: ليس في هذا الكتاب إلا أساطير الأولين ولم يعرفوا أن المقصود منها ليس هو نفس الحكاية بل أمور أخرى مغايرة لها: فأولها: بيان قدرة الله تعالى على التصرف في هذا العالم، ونقل أهله من العز إلى الذل ومن الذل إلى العز وذلك يدل على قدرة كاملة.
وثانيها: أنها تدل على العبرة من حيث إن الإنسان يعرف بها أن الدنيا لا تبقى، فنهاية كل متحرك سكون، وغاية كل متكون أن لا يكون، فيرفع قلبه عن حب الدنيا وتقوى رغبته في طلب الآخرة، كما قال: {لَقَدْ كَانَ في قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لاّوْلِى الالباب} [يوسف: 111] وثالثها: أنه صلى الله عليه وسلم لما ذكر قصص الأولين من غير تحريف ولا تغيير مع أنه لم يتعلم ولم يتلمذ، دل ذلك على أنه بوحي من الله تعالى، كما قال في سورة الشعراء بعد أن ذكر القصص: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبّ العالمين نَزَلَ بِهِ الروح الامين على قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المنذرين} [الشعراء: 192- 194].
والوجه الثاني: أنهم كلما سمعوا حروف التهجي في أوائل السور ولم يفهموا منها شيئًا ساء ظنهم بالقرآن.
وقد أجاب الله تعالى عنه بقوله: {هُوَ الذي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكتاب مِنْهُ آيات محكمات} [آل عمران: 7].
والوجه الثالث: أنهم رأوا أن القرآن يظهر شيئًا فشيئًا، فصار ذلك سببًا للطعن الرديء فقالوا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة فأجاب الله تعالى عنه بقوله: {كَذَلِكَ لِنُثَبّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} [الفرقان: 32] وقد شرحنا هذا الجواب في سورة الفرقان.
والوجه الرابع: أن القرآن مملوء من إثبات الحشر والنشر، والقوم كانوا قد ألفوا المحسوسات فاستبعدوا حصول الحياة بعد الموت، ولم يتقرر ذلك في قلوبهم، فظنوا أن محمدًا عليه السلام إنما يذكر ذلك على سبيل الكذب، والله تعالى بين صحة القول بالمعاد بالدلائل القاهرة الكثيرة.
الوجه الخامس: أن القرآن مملوء من الأمر بالصلاة والزكاة وسائر العبادات، والقوم كانوا يقولون إله العالمين غني عنا وعن طاعتنا، وإنه تعالى أجل من أن يأمر بشيء لا فائدة فيه، فأجاب الله تعالى عنه بقوله: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خلقناكم عَبَثًا} [المؤمنون: 115] وبقوله: {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لاِنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] وبالجملة فشبهات الكفار كثيرة، فهم لما رأوا القرآن مشتملًا على أمور ما عرفوا حقيقتها ولم يطلعوا على وجه الحكمة فيها لا جرم كذبوا بالقرآن، والحاصل أن القوم ما كانوا يعرفون أسرار الإلهيات، وكانوا يجرون الأمور على الأحوال المألوفة في عالم المحسوسات وما كانوا يطلبون حكمها ولا وجوه تأويلاتها، فلا جرم وقعوا في التكذيب والجهل، فقوله: {بَلْ كَذَّبُواْ لَّمًّا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ} إشارة إلى عدم علمهم بهذه الأشياء، وقوله: {وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} إشارة إلى عدم جدهم واجتهادهم في طلب تلك الأسرار.
ثم قال: {فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة الظالمين} والمراد أنهم طلبوا الدنيا وتركوا الآخرة، فلما ماتوا فاتتهم الدنيا والآخرة فبقوا في الخسار العظيم، ومن الناس من قال المراد منه عذاب الاستئصال وهو الذي نزل بالأمم الذين كذبوا الرسل من ضروب العذاب في الدنيا، قال أهل التحقيق قوله: {وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} يدل على أن من كان غير عارف بالتأويلات وقع في الكفر والبدعة، لأن ظواهر النصوص قد يوجد فيها ما تكون متعارضة، فإذا لم يعرف الإنسان وجه التأويل فيها وقع في قلبه أن هذا الكتاب ليس بحق، أما إذا عرف وجه التأويل طبق التنزيل على التأويل فيصير ذلك نورًا على نور يهدي الله لنوره من يشاء. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله: {بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ} يعني: القرآن لم يعلموا ما فيه؛ ويقال: لم يعلموا ما عليهم بتكذيبهم: {وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ}، يعني: ولما يأتهم عاقبة ما وعدوا في هذا القرآن، يعني: سيأتيهم ما وعد لهم، وهو كائن في الدنيا بالعذاب، وفي الآخرة بالنار.
ثم قال: {كذلك كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ}، هكذا كذب الأمم الخالية رسلهم.
{فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة الظالمين}، يعني: كيف صار جزاء المكذبين لرسلهم.
فيه تعزية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وحثّ له على الصبر، وتخويف لهم بالعقوبة. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ}
فيه وجهان:
أحدهما: لم يعلموا ما عليهم بتكذيبهم لشكهم فيه.
الثاني: لم يحيطوا بعلم ما فيه من وعد ووعيد لإعراضهم عنه.
{وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} فيه وجهان:
أحدهما: علم ما فيه من البرهان.
الثاني: ما يؤول إليه أمرهم من العقاب. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ} أي كذبوا بالقرآن وهم جاهلون بمعانيه وتفسيره، وعليهم أن يعلموا ذلك بالسؤال؛ فهذا يدلّ على أنه يجب أن يُنظر في التأويل.
وقوله: {وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} أي ولم يأتهم حقيقة عاقبة التكذيب من نزول العذاب بهم.
أو كذبوا بما في القرآن من ذكر البعث والجنة والنار، ولم يأتهم تأويله أي حقيقة ما وعدوا في الكتاب؛ قاله الضحاك.
وقيل للحسين بن الفضل: هل تجد في القرآن (من جهل شيئًا عاداه) قال نعم، في موضعين: {بَلْ كَذَّبُوا بمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ} وقوله: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ هاذا إِفْكٌ قَدِيمٌ} [الأحقاف: 11].
{كَذَلِكَ كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ} يريد الأُمم الخالية، أي كذا كانت سبيلهم. والكاف في موضع نصب.
{فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظالمين} أي أخذهم بالهلاك والعذاب. اهـ.

.قال أبو حيان:

{بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ}
قال الزمخشري: بل كذبوا، بل سارعوا إلى التكذيب بالقرآن، وفاجأوه في بديهة السماع قبل أن يفهموه ويعلموا كنه أمره، وقبل أن يتدبروه ويفقهوا تأويله ومعانيه، وذلك لفرط نفورهم عما يخالف دينهم، وشرادهم عن مفارقة دين آبائهم.
وقال ابن عطية: هذا اللفظ يحتمل معنيين: أحدهما: أن يريد بما الوعيد الذي توعدهم الله على الكفر، وتأويله على هذا يريد به ما يؤول إليه أمره كما هو في قوله: {هل ينظرون إلا تأويله} والآية محملها على هذا التأويل يتضمن وعيدًا، والمعنى الثاني: أنه أراد بل كذبوا بهذا القرآن العظيم المنبئ بالغيوب الذي لم يتقدّم لهم به معرفة، ولا أحاطوا بمعرفة غيوبه وحسن نظمه، ولا جاءهم تفسير ذلك وبيانه.
وقال أبو عبد الله الرازي: يحتمل وجوهًا، الأول: كلما سمعوا شيئًا من القصص قالوا: {أساطير الأوّلين} ولم يعرفوا أن المقصود منها ليس نفس الحكاية، بل قدرته تعالى على التصرف في هذا العالم، ونقله أهله من عز إلى ذل، ومن ذل إلى عز، وبفناء الدنيا، فيعتبر بذلك.
وأن ذلك القصص بوحي من الله، إذ أعلم بذلك على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف مع كونه لم يتعلم ولم يتتلمذ.
الثاني: كلما سمعوا خروف التهجّي ولم يفهموا منها شيئًا ساء ظنهم، وقد أجاب الله بقوله: {فيه آيات بينات} الآية.
الثالث: ظهور القرآن شيئًا فشيئًا، فساء ظنهم وقالوا: {لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة} وقد أجاب تعالى وشرح في مكانه.
الرابع: القرآن مملوء من الحشر، وكانوا ألفوا المحسوسات، فاستبعدوا حصول الحياة بعد الموت، فبين الله صحة المعاد بالدلائل الكثيرة.
الخامس: أنه مملوء من الأمر بالعبادات، وكانوا يقولون: إله العالم غني عن طاعتنا، وهو أجل أن يأمرنا بما لا فائدة له فيه.
وأجاب تعالى بقوله: {إن أحسنتم أحسنتم} الآية وبالجملة فشبه الكفار كثيرة، فلما رأوا القرآن مشتملًا على أمور ما عرفوا حقيقتها ولا اطلعوا على وجه الحكمة فيها كذبوا بالقرآن فقوله: بما لم يحيطوا بعلمه، إشارة إلى عدم علمهم بهذه الأشياء وقوله: {ولما يأتهم تأويله}، إشارة إلى عدم جهدهم واجتهادهم في طلب أسرار ما تضمنه القرآن انتهى ملخصًا.
وقال الزمخشري: (فإن قلت): ما معنى التوقع في قوله تعالى: {ولم يأتهم تأويله}؟ (قلت): معناه أنهم كذبوا به على البديهة قبل التدبر، ومعرفة التأويل تقليدًا للآباء، وكذبوه بعد التدبر تمردًا وعنادًا فذمهم بالتسرع إلى التكذيب قبل العلم به، وجاء بكلمة التوقع ليؤذن أنهم علموا بعد علوّ شأنه وإعجازه لما كرر عليهم التحدي ورازوا قواهم في المعارضة، واستيقنوا عجزهم عن مثله، فكذبوا به بغيًا وحسدًا انتهى. ويحتاج كلامه هذا إلى نظر.
وقال أيضًا: ويجوز أن يكون المعنى: ولما يأتهم تأويله، ولما يأتهم بعد تأويل ما فيه من الإخبار بالغيوب أي عاقبته، حتى يتبين لهم أكذب هو أم صدق؟ يعني: أنه كتاب معجز من جهتين: من جهة إعجاز نظمه، ومن جهة ما فيه من الإخبار بالغيوب. فتسرعوا إلى التكذيب به قبل أن ينظروا في نظمه وبلوغه حد الإعجاز، وقبل أن يخبروا إخباره بالمغيبات وصدقه وكذبه انتهى.
وبقيت جملة الإحاطة بلم، وجملة إتيان التأويل بلما، ويحتاج في ذلك إلى فرق دقيق. والكاف في موضع نصب أي: مثل ذلك التكذيب كذب الذين من قبلهم، يعني: قبل النظر في معجزات الأنبياء وقبل تدبرها من غير إنصاف من أنفسهم، ولكن قلدوا الآباء عاندوا.
قال ابن عطية: قال الزجاج: كيف، في موضع نصب على خبر كان، لا يجوز أن يعمل فيه انظر، لأن ما قبل الاستفهام لا يعمل فيه، هذا قانون النحويين لأنهم عاملوا كيف في كل مكان معاملة الاستفهام المحض.
في قولك: كيف زيد؟ ولكيف تصرفات غير هذا تحل محل المصدر الذي هو كيفية، وينخلع معنى الاستفهام، ويحتمل هذا الموضع أنْ يكون منها ومن تصرفاتها قولهم: كن كيف شئت، وانظر قول البخاري: كيف كان بدء الوحي، فإنه لم يستقيم انتهى.
وقول الزجاج: لا يجوز أن يعمل فيه انظر، وتعليله: يريد لا يجوز أن تعمل فيه انظر لفظًا، لكنّ الجملة في موضع نصب لا نظر معلقة، وهي من نظر القلب.
وقول ابن عطية: هذا قانون النحويين إلى آخر تعليله، ليس كما ذكر، بل لكيف معنيان: أحدهما: الاستفهام المحض، وهو سؤال عن الهيئة، إلا أن تعلق عنها العامل فمعناها معنى الأسماء التي يستفهم بها إذا علق عنها العامل.
والثاني: الشرط.
لقول العرب: كيف تكون أكون وقوله: ولكيف تصرفات إلى آخره، ليس كيف تحل محل المصدر، ولا لفظ كيفية هو مصدر، إنما ذلك نسبة إلى كيف.
وقوله: ويحتمل أن يكون هذا الموضع منها ومن تصرفاتها قولهم: كن كيف شئت، لا يحتمل أن يكون منها، لأنه لم يثبت لها المعنى الذي ذكر من كون كيف بمعنى كيفية وادعاء مصدر كيفية.
وأما كن كيف شئت، فكيف ليست بمعنى كيفية، وإنما هي شرطية وهو المعنى الثاني الذي لها.
وجوابها محذوف التقدير: كيف شئت فكن، كما تقول: قم متى شئت، فمتى اسم شرط ظرف لا يعمل فيه قم، والجواب محذوف تقديره: متى شئت فقم، وحذف الجواب لدلالة ما قبله عليه كقولهم: إضرب زيدًا إنْ أساء إليك، التقدير: إن أساء إليك فاضربه، وحذف فاضربه لدلالة اضرب المتقدم عليه.
وأما قول البخاري: كيف كان بدء الوحي؟ فهو استفهام محض، إما على سبيل الحكاية كأنّ قائلًا سأله فقال: كيف كان بدء الوحي؟ فأجاب بالحديث الذي فيه كيفية ذلك.
والظالمين: الظاهر أنه أريد به الذين من قبلهم، ويحتمل أن يراد به من عاد عليه ضمير بل كذبوا. اهـ.